عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال"من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيه خالدا مخلدا فيها أبدا ومن تحسى سما فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا"
المعنى العام
إرشادا إلى أن الحياة هبة الله وأنه ينبغي أن تترك الروح لخالقها يسلبها متى يريد ويحملها الآلام إذا شاء يحذر الرسول صلى الله عليه وسلم من الإقدام على التخلص من الحياة مهما كانت بواعثه ومهما قست بالمرء نوائب الزمان فمن المعلوم أن هذه الدنيا دار شقاء وليس للمصائب والمتاعب إلا الرجال وبقدر تحمل الرجل لكبار الأرزاء تكبر رجولته وبقدر جزعه وانهياره أمام بعضها يظهر صفعه وجبنه وقد علمتنا التجارب أن طريق السعادة مفروش بالأشواك ومن أراد القمة تسلق الصعاب ودون الشهد أبر النحل وبالجهاد والصبر والتفويض يبلغ الإنسان ما يريد ومن ظن أنه بانتحاره يتخلص من آلامه فليعلم أنه إنما يدفع نفسه من ألم صغير إلى ألم كبير ومن ضجر محدود بزمن قصير إلى ضجر غير محدود فمن تردى من جبل أو من شاهق فقتل نفسه نصب الله له يوم القيامة جبلا من نار يكلف الصعود إليه ليهوي منه في نار جهنم خالدا على هذه الحال أبدا ومن شرب سما فقتل نفسه أعد الله له يوم القيامة سما يفوق سم الدنيا في صعوبة مذاقه وشدة تأثيره وإيلامه كالمهل يغلي في البطون كغلي الحميم يكلف أن يتجرعه خالدا على هذه الحال أبدا ومن طعن نفسه بسكين فقتل نفسه أعد الله له سكينا من نار ليطعن بها بطنه كلما فجرها عادت كما كانت خالدا مخلدا على هذه الحال أبدا فليتدبر العاقل ويؤمن بالقضاء والقدر وليثق بأن بعد العسر يسرا وبعد الضيق فرجا ومن يتق الله ويصبر ويجاهد يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا
المباحث العربية
(من تردى من جبل) أي أسقط نفسه منه
(فقتل نفسه) فائدة ذكرها توقف الجزاء المذكور عليها فإنما هي التي أفادت التعمد إذ التردي يكون عن عمد وعن غير عمد أما إذا تعمد الإلقاء ولم يحدث بذلك قتل فجزاء هذا الأمر إلى الله
(يتردى فيه) أي في الجبل والمراد في مثله والجملة في محل النصب على الحال
(خالدا مخلدا فيها أبدا) حال مقدرة من فاعل يتردى وفي ذكر "مخلدا" بفتح اللام بعد ذكر "خالدا" ما يشعر بالإهانة والتحقير و"أبدا" منصوب على الظرفية
(تحسى سما) أي تجرع سما وأصله من حسوت المرق إذا شربت منه شيئا فشيئا والتعبير بصيغة التفعل للمعالجة والتكلف
(يجأ) مضارع وجأ وأصله يوجئ بفتح الياء وكسر الجيم فحذفت الواو لوقوعها بين الياء والكسرة ثم فتحت الجيم لأجل الهمزة ومعناه يطعن ويضرب
فقه الحديث
مناسبة هذا الحديث لكتاب الطب جعلها البخاري تحت باب شرب السم للتداوي وكأنه يستدل بذلك على عدم جوازه لأنه يفضي إلى قتل النفس قال الحافظ ابن حجر إن مجرد شرب السم ليس بحرام على الإطلاق لأنه يجوز استعمال اليسير منه إذا ركب معه ما يدفع ضرره إذا كان فيه نفع ويمكن جعل المناسبة من حيث أن المريض قد ييأس من الطب فيستعين على نفسه بذلك للتخلص من دائه كما هو مشاهد في هذه الأيام والحديث يدل على أن الجزاء من جنس العمل وعيدا وتحذيرا من الإقدام على الانتحار بأية وسيلة كانت فيقاس على ذلك من تردى في بحر فغرق ومن نصب لنفسه حبلا فخنق ومن أشعل في نفسه نارا فاحترق ولما كان ظاهر الحديث يفيد تخليد فاعل هذا الفعل في النار مع أنه قد يكون مؤمنا حمل الشراح الخلود في الحديث على المكث الطويل لكن هذا الحمل بعيد لتأكيده بلفظ التأبيد ولذا جعل بعضهم هذا الجزاء لمن استحل هذا الفعل الشنيع أو لمن سخط على القضاء وحمله بعضهم على التغليظ والتهديد والوعيد وهذان الرأيان أقرب من جعله لكافر بعينه أو لمن فعل ذلك من الكفار لأن الخلود حاصل للكافر وإن لم يقدر على الانتحار
ويؤخذ من الحديث:
1- التحذير من الانتحار مهما كانت أسبابه ودواعيه
2- أن الجزاء من جنس العمل
3- وجوب الصبر على الآلام وعدم السخط
4- الرضا بالقضاء وتسليم قبض الروح لواهب الحياة.
الكتاب :-المنهل الحديث رقم الجزء :-4 رقم الصفحة :- 0153_0156مسلسل :-344
المنهل الحديث |فتح المنعم |تحفة الأحوذي في شرح جامع الترمذي |فتح الباري لابن حجر |شـــرح النووي
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire