Nombre total de pages vues

mardi 13 décembre 2016

تحذير أهل السنة السلفيين من مجالسة و مخالطة أهل الأهواء المبتدعين

مقال جديد للشيخ ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله
تحذير أهل السنة السلفيين من مجالسة ومخالطة أهل الأهواء المبتدعين.

بسم الله الرحمن الرحيم

تحذير أهل السنة السلفيين من مجالسة ومخالطة أهل الأهواء المبتدعين

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه،
أما بعد:

فإن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

فيجب على المسلم التمسك بالكتاب والسنة والعض عليهما بالنواجذ.

واجتناب البدع وما يوقعه في البدعة مثل: مخالطة أهل البدع ومجالستهم وموادتهم.

قال تعالى: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [المجادلة: 22].

وقال تعالى: (وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ) [هود: 113].

وهناك عدد من النصوص النبوية تتضمن التحذير من مجالسة أهل البدع:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المرء مع من أحب».
أخرجه البخاري حديث (6168) ، ومسلم حديث (2640).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المرء على دين خليله».
أخرجه الإمام أحمد حديث (8028)، وأبو داود حديث (4833)، والترمذي حديث(2378).
جــ- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف».
أخرجه البخاري حديث (3336)، ومسلم حديث (2638).
د- وقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "مثل الجليس الصالح والجليس السوء، كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك: إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير: إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد ريحا خبيثة".
متفق عليه. أخرجه البخاري في "صحيحه" حديث (5534)، ومسلم في "صحيحه" حديث (2628).

الإجماع على معاداة أهل البدع ومهاجرتهم:

قال الإمام البغوي في "شرح السنة" (1/227)–خلال تعليقه على قصة كعب بن مالك ومرارة بن الربيع وهلال بن أمية –رضي الله عنهم-:

" وقد مضت الصحابة والتابعون وأتباعهم، وعلماء السنة على هذا مجمعين متفقين على معاداة أهل البدعة، ومهاجرتهم".

وهذه جملة من أقوال عدد من العلماء إضافة إلى ما سبق ذكره من النصوص النبوية وإجماع الصحابة والسلف الصالح-رضي الله عنهم-:

أولا: ذكر أبو حاتم ابن حبان رحمه الله تحت باب (ذكر الحث على صحبة الأخيار والزجر عَن عشرة الأشرار) عند حديث (مثل الجليس الصالح والجليس السوء...) ثم قال: (العاقل يلزم صحبة الأخيار ويفارق صحبة الأشرار لأن مودة الأخيار سريع اتصالها بطيء انقطاعها ومودة الأشرار سريع انقطاعها بطيء اتصالها وصحبة الأشرار تورث سوء الظن بالأخيار ومن خادن الأشرار لم يسلم من الدخول في جملتهم.

فالواجب على العاقل أن يجتنب أهل الريب لئلا يكون مريبا فكما أن صحبة الأخيار تورث الخير كذلك صحبة الأشرار تورث الشر)

وقال:(العاقل لا يدنس عرضه ولا يعود نفسه أسباب الشر بلزوم صحبة الأشرار ولا يغضي عَن صيانة عرضه ورياضة نفسه بصحبة الأخيار على أن الناس عند الخبرة يتبين منهم أشياء ضد الظاهر منها)

وقال أيضاً: (العاقل لا يصاحب الأشرار لأن صحبة صاحب السوء قطعة من النار تعقب الضغائن لا يستقيم وده ولا يفي بعهده وإن من سعادة المرء خصالا أربعا أن تكون زوجته موافقة وولده أبرارا وإخوانه صالحين وأن يكون رزقه في بلده

وكل جليس لا يستفيد المرء منه خيرا تكون مجالسة الكلب خيرا من عشرته ومن يصحب صاحب السوء لا يسلم كما أن من يدخل مداخل السوء يتهم).اهــ من روضة العقلاء(ص:99-103).

ثانيًا: ذَكَرَ الإمام الحافظ أبو عبد الله عبيد الله بن محمد بن محمد بن حمدان بن بطة المتوفى (387هـ) في كتابه "الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية ومجانبة الفرق المذمومة" في "باب التحذير من صحبة قوم يمرضون القلوب ويفسدون الإيمان" نصوصاً كثيرة جدا من رقم (359) إلى (524)، اخترتُ منها النصوص الآتية:

قال –رحمه الله-:

369 – "حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ حَفْصُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حَاتِمٍ , قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُعَلَّى , قَالَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ , عَنْ أَيُّوبَ , عَنْ أَبِي قِلَابَةَ , قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: وَحَدَّثَنَا أَبُو يَزِيدَ الْخَرَّازُ, قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ, عَنْ أَيُّوبَ, عَنْ أَبِي قِلَابَةَ, قَالَ: لَا تُجَالِسُوا أَصْحَابَ الْأَهْوَاءِ , فَإِنِّي لَا آمَنُ أَنْ يَغْمِسُوكُمْ فِي ضَلَالَتِهِمْ , أَوْ يَلْبِسُوا عَلَيْكُمْ بَعْضَ مَا تَعْرِفُونَ".

وقال –رحمه الله-:

371- " حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْبُسْرِيِّ التَّمِيمِيُّ بْنُ أَبِي حَازِمٍ الْكُوفِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي غِيَاثٍ , قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ , قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ , عَنْ عَمْرِو ابْنِ قَيْسٍ , قَالَ: كَانَ يُقَالُ: لَا تُجَالِسْ صَاحِبَ زَيْغٍ , فَيُزِيغَ قَلْبَكَ".

وقال –رحمه الله-:

376- "أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ , قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَبُو بَكْرٍ الْفِرْيَابِيُّ , قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَقِيٍّ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْحِمْصِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ , عَنْ أَبِي سَلَمَةَ سُلَيْمَانَ بْنِ سُلَيْمٍ , عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ , عَنْ أَبِي صَالِحٍ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , قَالَ: لَا تُجَالِسْ أَهْلَ الْأَهْوَاءِ , فَإِنَّ مُجَالَسَتَهُمْ مُمْرِضَةٌ لِلْقُلُوبِ".

وقال –رحمه الله:

378- " حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ حَفْصُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حَاتِمٍ , قَالَ: حَدَّثَتُ عَنْ بَقِيَّةَ بْنِ الْوَلِيدِ , قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ سُلَيْمٍ , عَنْ حَبِيبٍ , عَنْ أَبِي الزَّرْقَاءِ , عَنِ الْحَسَنِ , قَالَ: لَا تُجَالِسُوا أَهْلَ الْأَهْوَاءِ , فَإِنَّ مُجَالَسَتَهُمْ مُمْرِضَةٌ لِلْقُلُوبِ".

وقال –رحمه الله-:

395- " حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ , قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حَاتِمٍ , قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ , قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ , عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ الْمُلَائِيِّ , قَالَ: كَانَ يُقَالُ: لَا تُجَالِسْ صَاحِبَ زَيْغٍ فَيُزِيغُ قَلْبُكَ".

وقال –رحمه الله-:

400- "حَدَّثَنَا أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حَاتِمٍ , قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ ابْنُ يُونُسَ , قَالَ: أَخْبَرَنَا زَائِدَةُ , عَنْ هِشَامٍ , قَالَ: كَانَ الْحَسَنُ وَمُحَمَّدٌ يَقُولَانِ: لَا تُجَالِسُوا أَصْحَابَ الْأَهْوَاءِ , وَلَا تُجَادِلُوهُمْ , وَلَا تَسْمَعُوا مِنْهُمْ".

وقال –رحمه الله-:

403- "حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مَخْلَدِ بْنِ حَفْصٍ الْعَطَّارُ قَالَ: أَمْلَا عَلَيْنَا يَعْقُوبُ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ , قَالَ: سَمِعْتُ جَدَّتِي أَسْمَاءَ تُحَدِّثُ قَالَتْ: دَخَلَ رَجُلَانِ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ مِن أَهْلِ الْأَهْوَاءِ فَقَالَا: يَا أَبَا بَكْرٍ نُحَدِّثُكَ بِحَدِيثٍ قَالَ: لَا, قَالَا: فَنَقْرَأُ عَلَيْكَ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ قَالَ: لَا , لِتَقُومَانِ عَنِّي, أَوْ لَأَقُومَنَّ".

وقال –رحمه الله-:

407- " أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفِرْيَابِيُّ , قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْخَطَّابِ زِيَادُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ , قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَّامُ بْنُ أَبِي مُطِيعٍ , أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ الْأَهْوَاءِ قَالَ لِأَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ: يَا أَبَا بَكْرٍ أَسْأَلُكَ عَنْ كَلِمَةٍ، قَالَ أَيُّوبُ وَجَعَلَ يُشِيرُ بِإِصْبَعَيْهِ: وَلَا نِصْفَ كَلِمَةٍ , وَلَا نِصْفَ كَلِمَةٍ".

وقال –رحمه الله-:

426- " أَخْبَرَنِي أَبُو الْقَاسِمِ عُمَرُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ , قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْمَرُّوذِيُّ , قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلَّادٍ الْبَاهِلِيُّ , قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ الْقَطَّانَ , يَقُولُ لَمَّا قَدِمَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ الْبَصْرَةَ: جَعَلَ يَنْظُرُ إِلَى أَمْرِ الرَّبِيعِ يَعْنِي ابْنَ صُبَيْحٍ , وَقَدْرَهُ عِنْدَ النَّاسِ , سَأَلَ: أَيُّ شَيْءٍ مَذْهَبُهُ؟ قَالُوا: مَا مَذْهَبُهُ إِلَّا السُّنَّةُ قَالَ: مَنْ بِطَانَتُهُ؟ قَالُوا: أَهْلُ الْقَدَرِ قَالَ: هُوَ قَدَرِيٌّ.

قَالَ الشَّيْخُ: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَى سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ , لَقَدْ نَطَقَ بِالْحِكْمَةِ, فَصَدَقَ, وَقَالَ بِعِلْمٍ فَوَافَقَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ, وَمَا تُوجِبُهُ الْحِكْمَةُ وَيُدْرِكُهُ الْعِيَانُ وَيَعْرِفُهُ أَهْلُ الْبَصِيرَةِ وَالْبَيَانِ, قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ}" [آل عمران: 118].

وقال –رحمه الله-:

434- "حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الدَّقَّاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَيَّاطُ , قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ يَزِيدَ الصَّائِغُ , مَرْدَوَيْهِ قَالَ: سَمِعْتُ الْفُضَيْلَ ابْنَ عِيَاضٍ, يَقُولُ: الْأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ, فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ, وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ, وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ صَاحِبُ سُنَّةٍ يُمَالِي صَاحِبَ بِدْعَةٍ إِلَّا مِنَ النِّفَاقِ.

قَالَ الشَّيْخُ: صَدَقَ الْفُضَيْلُ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ , فَإِنَّا نَرَى ذَلِكَ عِيَانًا".

وقال –رحمه الله-:

435- "أَخْبَرَنِي أَبُو الْقَاسِمِ عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ الْقَصَبَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ هَارُونَ , قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْمَرُّوذِيُّ , قَالَ: حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ الطُّوسِيُّ , قَالَ: حَدَّثَنَا مُبَشِّرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْحُبُلِيُّ, قَالَ: قِيلَ لِلْأَوْزَاعِيِّ: إِنَّ رَجُلًا يَقُولُ: أَنَا أُجَالِسُ أَهْلَ السُّنَّةِ , وَأُجَالِسُ أَهْلَ الْبِدَعِ , فَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: هَذَا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يُسَاوِيَ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ.

قَالَ الشَّيْخُ: صَدَقَ الْأَوْزَاعِيُّ , أَقُولُ: إِنَّ هَذَا رَجُلٌ لَا يَعْرِفُ الْحَقَّ مِنَ الْبَاطِلِ , وَلَا الْكُفْرَ مِنَ الْإِيمَانِ , وَفِي مِثْلِ هَذَا نَزَلَ الْقُرْآنُ , وَوَرَدَتِ السُّنَّةُ عَنِ الْمُصْطَفَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ}" [البقرة: 14].

وقال –رحمه الله-:

441- "حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ , قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْحَضْرَمِيُّ , قَالَ: حَدَّثَنَا مَسْرُوقُ بْنُ الْمَرْزُبَانِ , قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْمَاعِيلَ الْفَارِسِيُّ , قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ الْقَاسِمِ الْأَشْعَبِيَّ , يَسْأَلُ حَمَّادَ بْنَ زَيْدٍ , فَحَدَّثَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ وَاسِعٍ , قَالَ: قَالَ مُسْلِمُ بْنُ يَسَارٍ: لَا تُمَكِّنُ صَاحِبَ بِدْعَةٍ مِنْ سَمْعِكَ فَيَصُبُّ , فِيهَا مَا لَا تَقْدِرُ أَنْ تُخْرِجَهُ مِنْ قَلْبِكَ".

وقال –رحمه الله-:

457- "حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّوَّافُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ يَزِيدَ الصَّايِغُ , قَالَ: سَمِعْتُ إِسْمَاعِيلَ الطُّوسِيَّ , قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ الْمُبَارَكِ: يَكُونُ مَجْلِسُكَ مَعَ الْمَسَاكِينِ , وَإِيَّاكَ أَنْ تَجْلِسَ مَعَ صَاحِبِ بِدْعَةٍ".

فهؤلاء ثلاثة عشر عالما من مجموع: مائة وخمسة وستين عالما من علماء السنة كلهم يحذرون من مجالسة ومخالطة أهل البدع؛ بناء على النصوص النبوية التي اشتملت على التحذير من مخالطة ومودة أهل البدع والأهواء.

وبناء على خبرتهم ومعرفتهم بتأثير أهل البدع في من يجالسهم.

ثالثًا: قال الخطابي رحمه الله في شرح سنن أبي داود عند شرحه لقوله ﷺ ( لا تصاحب إلا مؤمناً ولا يأكل طعامك إلا تقي)([1]): (وإنما حذر من صحبة من ليس بتقي وزجر عن مخالطته ومؤاكلته فإن المطاعمة توقع الألفة والمودة في القلوب يقول لا تؤالف من ليس من أهل التقوى والورع ولا تتخذه جليساً تطاعمه وتنادمه).اهــ معالم السنن ط/حلب (4/ 115).

وقال في شرح حديث (الأرواح جنود مجندة): (يقول صلى الله عليه وسلم إن الأجساد التي فيها الأرواح تلتقي في الدنيا فتأتلف وتختلف على حسب ما جعلت عليه من التشاكل أو التنافر في بدء الخلقة ولذلك ترى البَر الخير يحب شكله ويحن إلى قربه وينفر عن ضده، وكذلك الرَّهِق الفاجر يألف شِكله ويستحسن فعله وينحرف عن ضده).اهــ معالم السنن (4/ 115).

رابعًا: وأورد الإمام أَبُو الْقَاسِم هِبَة اللَّهِ بْن الْحَسَنِ بْنِ مَنْصُورٍ اللالكائي في كتابه "شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة" نصوصاً كثيرة، عن كثير من علماء السنة، من رقم (231) إلى (313).

منها قوله –رحمه الله-:

231 – "أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عُثْمَانَ, قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ, قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ ابْنُ مُوسَى , حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ , قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ , عَنْ عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ, عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ , قَالَ: «لَأَنْ يُجَاوِرَنِي قِرَدَةٌ وَخَنَازِيرُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يُجَاوِرَنِي أَحَدٌ مِنْهُمْ». -يَعْنِي أَصْحَابَ الْأَهْوَاءِ-".

وقال -رحمه الله-:

239- "أخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ بَكْرٍ , قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عُثْمَانَ , قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ , قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ , قَالَ: حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ , قَالَ: حَدَّثَنَا ثَابِتُ بْنُ الْعَجْلَانِ , قَالَ: «أَدْرَكْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ , وَابْنَ الْمُسَيِّبِ , وَالْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ , وَسَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ , وَالشَّعْبِيَّ , وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيَّ , وَعَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ , وَطَاوُسًا , وَمُجَاهِدًا , وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ , وَالزُّهْرِيَّ , وَمَكْحُولًا , وَالْقَاسِمَ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ , وَعَطَاءً الْخُرَاسَانِيَّ , وَثَابِتًا الْبُنَانِيَّ , وَالْحَكَمَ بْنَ عُتْبَةَ , وَأَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيَّ , وَحَمَّادًا, وَمُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ , وَأَبَا عَامِرٍ» , - وَكَانَ قَدْ أَدْرَكَ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ - , وَيَزِيدَ الرَّقَاشِيَّ , وَسُلَيْمَانَ بْنَ مُوسَى , كُلُّهُمْ يَأْمُرُونَنِي فِي الْجَمَاعَةِ , وَيَنْهَوْنَنِي عَنْ أَصْحَابِ الْأَهْوَاءِ ". قَالَ بَقِيَّةُ: " ثُمَّ بَكَى وَقَالَ: «يَا ابْنَ أَخِي , مَا مِنْ عَمَلٍ أَرْجَى وَلَا أَوْثَقُ مِنْ مَشْيٍ إِلَى هَذَا الْمَسْجِدِ» . يَعْنِي مَسْجِدَ الْبَابِ".

فهؤلاء اثنان وعشرون عالما من جملة: اثنين وثمانين عالما ساقهم الإمام اللالكائي لبيان منهج السلف ومواقفهم من أهل البدع والأهواء.

خامسًا: وقال النووي رحمه الله تحت الحديث السابق -وهو قوله صلى الله عليه وسلم (مثل الجليس الصالح...)-: "وَفِيهِ فَضِيلَةُ مُجَالَسَةِ الصَّالِحِينَ وَأَهْلِ الْخَيْرِ وَالْمُرُوءَةِ وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَالْوَرَعِ وَالْعِلْمِ وَالْأَدَبِ وَالنَّهْيُ عَنْ مُجَالَسَةِ أَهْلِ الشَّرِّ وَأَهْلِ الْبِدَعِ وَمَنْ يَغْتَابُ النَّاسَ أَوْ يَكْثُرُ فُجْرُهُ وَبَطَالَتُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنَ الْأَنْوَاعِ الْمَذْمُومَةِ".اهــ شرح النووي على مسلم (16/ 178).

سادسًا: قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (وأما الرافضي فلا يعاشر أحدا إلا استعمل معه النفاق، فإن دينه الذي في قلبه دين فاسد، يحمله على الكذب والخيانة، وغش الناس، وإرادة السوء بهم، فهو لا يألوهم خبالا، ولا يترك شرا يقدر عليه إلا فعله بهم، وهو ممقوت عند من لا يعرفه، وإن لم يعرف أنه رافضي تظهر على وجهه سيما النفاق وفي لحن القول، ولهذا تجده ينافق ضعفاء الناس ومن لا حاجة به إليه، لما في قلبه من النفاق الذي يضعف قلبه.

والمؤمن معه عزة الإيمان ، فإن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين. ثم هم يدّعون([2]) الإيمان دون الناس، والذلة فيهم أكثر منها في سائر الطوائف من المسلمين.

وقد قال تعالى: {إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد} [سورة غافر: 51] . وهم أبعد طوائف أهل الإسلام عن النصرة، وأولاهم بالخذلان. فعلم أنهم أقرب طوائف [أهل] الإسلام إلى النفاق، وأبعدهم عن الإيمان.

وآية ذلك أن المنافقين حقيقة، الذين ليس فيهم إيمان من الملاحدة، يميلون إلى الرافضة، والرافضة تميل إليهم أكثر من سائر الطوائف.

وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «الأرواح جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف». وقال ابن مسعود - رضي الله عنه -: اعتبروا الناس بأخدانهم.

فعلم أن بين أرواح الرافضة وأرواح المنافقين اتفاقا محضا: قدرا مشتركا وتشابها، وهذا لما في الرافضة من النفاق، فإن النفاق شعب.

كما في الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه شعبة من النفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب، وإذا اؤتمن خان، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر» اهـ من منهاج السنة (6/ 425-427).

وقال رحمه الله: فالمصاحبة والمصاهرة والمؤاخاة لا تجوز إلا مع أهل طاعة الله تعالى على مراد الله ويدل على ذلك الحديث الذي في السنن: (لا تصاحب إلا مؤمنًا ولا يأكل طعامك إلا تقي)([3])، وفيها: (المرء على دين خليله؛ فلينظر أحدكم من يخالل)(1).اهـ من مجموع الفتاوى (15/327).

سابعًا: وقال الشاطبي-رحمه الله-بعد أن ذكر آثارا في التحذير من أهل البدع-:

وَعَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ; قَالَ: " إِذَا لَقِيتَ صَاحِبَ بِدْعَةٍ فِي طَرِيقٍ; فَخُذْ فِي طَرِيقٍ آخَرَ ". وَعَنْ أَبِي قِلَابَةَ ; قَالَ: " لَا تُجَالِسُوا أَهْلَ الْأَهْوَاءِ، وَلَا تُجَادِلُوهُمْ; فَإِنِّي لَا آمَنُ أَنْ يَغْمُرُوكُمْ فِي ضَلَالَتِهِمْ، وَيُلَبِّسُوا عَلَيْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْرِفُونَ ".

وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ ; قَالَ: " لَا تُجَالِسُوا أَصْحَابَ الْأَهْوَاءِ، وَلَا تُكَلِّمُوهُمْ; فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ تَرْتَدَّ قُلُوبُكُمْ "، وَالْآثَارُ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ.

وَيُعَضِّدُهَا مَا رُوِيَ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ: «الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلْ».

وَوَجْهُ ذَلِكَ ظَاهِرٌ مُنَبَّهٌ عَلَيْهِ فِي كَلَامِ أَبِي قِلَابَةَ، إِذْ قَدْ يَكُونُ الْمَرْءُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَمْرٍ مِنْ أُمُورِ السُّنَّةِ، فَيُلْقِي لَهُ صَاحِبُ الْهَوَى فِيهِ هَوًى مِمَّا يَحْتَمِلُهُ اللَّفْظُ لَا أَصْلَ لَهُ، أَوْ يَزِيدُ لَهُ فِيهِ قَيْدًا مِنْ رَأْيِهِ، فَيَقْبَلُهُ قَلْبُهُ، فَإِذَا رَجَعَ إِلَى مَا كَانَ يَعْرِفُهُ; وَجَدَهُ مُظْلِمًا; فَإِمَّا أَنْ يَشْعُرَ بِهِ; فَيَرُدَّهُ بِالْعِلْمِ، أَوْ لَا يَقْدِرُ عَلَى رَدِّهِ، وَإِمَّا أَنْ لَا يَشْعُرَ بِهِ; فَيَمْضِيَ مَعَ مَنْ هَلَكَ. اهــ من الاعتصام للشاطبي ت الهلالي (1/ 172-173)

ثامنًا: وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: (وَفِي الْحَدِيثِ([4])النَّهْيُ عَنْ مُجَالَسَةِ مَنْ يُتَأَذَّى بِمُجَالَسَتِهِ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَالتَّرْغِيبُ فِي مُجَالَسَةِ مِنْ يُنْتَفَعُ بِمُجَالَسَتِهِ فِيهِمَا).اهـ فتح الباري لابن حجر (4/ 324).

تاسعًا: وقال الصنعاني رحمه الله خلال شرحه لهذا الحديث: (قوله: (أو تجد منه ريحاً خبيثاً) كذلك جليس السوء إما أن يصيب من دينك ويحرقك بناره أو يجلب لك كرباً وضيقاً وهو حث على البعد من جليس السوء والقرب من الجليس الصالح. قال علي -عليه السلام([5])-: "لا تصحب الفاجر فإنه يزين لك فعله ويود أنك مثله" ويقال: "وإياك ومجالسة الأشرار فإن طبعك يسرق منهم وأنت لا تدري).اهــ التنوير شرح الجامع الصغير (9/ 521).

عاشرًا: وقال العظيم أبادي رحمه الله: (وَفِي الْحَدِيث([6]) إِرْشَاد إِلَى الرَّغْبَة فِي صُحْبَة الصُّلَحَاء وَالْعُلَمَاء وَمُجَالَسَتهمْ فَإِنَّهَا تَنْفَع فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة ، وَإِلَى الِاجْتِنَاب عَنْ صُحْبَة الْأَشْرَار وَالْفُسَّاق فَإِنَّهَا تَضُرّ دِينًا وَدُنْيَا).اهــ عون المعبود (13/ 178)

وقال العظيم آبادي رحمه الله:

(الْأَرْوَاحُ) أَيْ: أَرْوَاحُ الْإِنْسَانِ (جُنُودٌ) جَمْعُ جُنْدٍ أَيْ جُمُوعٌ (مُجَنَّدَةٌ) بِفَتْحِ النُّونِ الْمُشَدَّدَةِ أَيْ مُجْتَمِعَةٌ مُتَقَابِلَةٌ أَوْ مُخْتَلِطَةٌ مِنْهَا حِزْبُ اللَّهِ وَمِنْهَا حِزْبُ الشَّيْطَانِ (فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا) التَّعَارُفُ جَرَيَانُ الْمَعْرِفَةِ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَالتَّنَاكُرُ ضِدُّهُ أَيْ فَمَا تَعَرَّفَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضِ قَبْلَ حُلُولِهَا فِي الْأَبْدَانِ (ائْتَلَفَ) أَيْ: حَصَلَ بَيْنَهُمَا الْأُلْفَةُ وَالرَّأْفَةُ حَالَ اجْتِمَاعِهِمَا بِالْأَجْسَادِ فِي الدُّنْيَا (وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا) أَيْ فِي عَالَمِ الْأَرْوَاحِ (اخْتَلَفَ) أَيْ: فِي عَالِمِ الْأَشْبَاحِ.

قَالَ النَّوَوِيُّ: مَعْنَى قَوْلِهِ الْأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ جُمُوعٌ مُجْتَمِعَةٌ أَوْ أَنْوَاعٌ مُخْتَلِفَةٌ.

وَأَمَّا تَعَارُفُهَا فَهُوَ لِأَمْرٍ جَعَلَهَا اللَّهُ عَلَيْهِ وَقِيلَ إِنَّهَا مُوَافِقَةٌ صِفَاتَهَا الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ عَلَيْهَا وَتُنَاسِبُهَا فِي شِيَمِهَا.

وَقِيلَ: لِأَنَّهَا خُلِقَتْ مُجْتَمَعَةً ثُمَّ فُرِّقَتْ فِي أَجْسَادِهَا فَمَنْ وَافَقَ بِشِيَمِهِ أَلِفَهُ وَمَنْ بَاعَدَهُ نَافَرَهُ وَخَالَفَهُ.

وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ تَآلُفُهَا هُوَ مَا خَلَقَهَا اللَّهُ عَلَيْهِ مِنَ السَّعَادَةِ أَوِ الشَّقَاوَةِ فِي الْمُبْتَدَأِ وَكَانَتِ الْأَرْوَاحُ قِسْمَيْنِ مُتَقَابِلَيْنِ فَإِذَا تَلَاقَتِ الْأَجْسَادُ فِي الدُّنْيَا ائْتَلَفَتْ وَاخْتَلَفَتْ بِحَسَبِ مَا خُلِقَتْ عَلَيْهِ فَيَمِيلُ الْأَخْيَارُ إِلَى الْأَخْيَارِ وَالْأَشْرَارُ إِلَى الْأَشْرَارِ انْتَهَى

قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. اهـ من عون المعبود (9/ 2117).

أقول: فنحن نحذر الشباب السلفي من مخالطة أهل الأهواء، والاستئناس بهم([7])، والركون إليهم، فليعتبروا بمن سلف ممن كان يغتر بنفسه ويرى نفسه أنه سيهدي أهل الضلال، ويردهم عن زيغهم وضلالهم؛ وإذا به يترنح ويتخبط ثم يصرع في أحضان أهل البدع.

وقد مضت تجارب من فجر تاريخ الإسلام، فأُناس من أبناء الصحابة لما ركنوا إلى ابن سبأ؛ وقعوا في الضلال.

وأناس من أبناء الصحابة والتابعين لما ركنوا إلى المختار بن أبي عبيد؛ وقعوا في الضلال.

وأناس في هذا العصر ركنوا إلى كثير من الدعاة السياسيين الضالين ومن رؤوس البدع؛ فوقعوا في حبائل أهل الضلال.

كثيرون هم وكثيرون جداً، ولكن نذكر منهم قصة عمران بن حطان، كان من أهل السنة وهوى امرأة من الخوارج، فأراد أن يتزوجها ويهديها إلى السنة، فتزوجها؛ فأوقعته في البدعة، وكان يريد أن يهديها فضل بسببها.

وكثير من المنتسبين إلى المنهج السلفي يقول: أنا أدخل مع أهل الأهواء لأهديهم فيقع في حبائلهم.

عبد الرحمن بن ملجم، وعمران بن حطان، كلاهما كان ينتمي إلى السنة ثم وقعا في الضلال، وأدى بعبد الرحمن بن ملجم فجوره إلى أن قتل علياً، وأدى بعمران بن حطان فجوره إلى أن مدح هذا القاتل -نسأل الله العافية- قال:

يا ضـربة من تقي ما أراد بها إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا

إني لأذكـره حينـاً فأحسبــــــــــه أوفى البرية عند الله ميـــزانـــــــــــــــــــا

أكرم بقوم بطون الطير أقبُرُهم لم يخلطـوا دينهم بغياً وعدوانا

إلى آخر أبيات رديئة قالها في مدح هذا المجرم، بارك الله فيكم.

وحصل لعبد الرزاق من أئمة الحديث أن انخدع بعبادة وزهد جعفر بن سليمان الضبعي، وأنِسَ إليه؛ فوقع في حبائل التشيع.

وانخدع أبو ذر الهروي -راوي الصحيح برواياتٍ، وكان من أعلام الحديث- انخدع بكلمة قالها الدارقطني في مدح الباقلاني؛ فجَرَّته هذه الكلمة في مدح الباقلاني إلى أن وقع في حبائل الأشاعرة، وصار داعية من دعاة الأشعرية؛ وانتشر بسببه المذهب الأشعري في المغرب العربي، فأهل المغرب يأنسون إليه، ويأتونه ويزورونه، ويبث فيهم منهج الأشعري، وهم قبله لا يعرفون إلا المنهج السلفي؛ فسن لهم سنة سيئة، نسأل الله العافية.

كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: "من دعا إلى هدىً كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص من أجورهم شيئاً ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الوزر مثل أوزارهم إلى يوم القيامة لا ينقص من أوزارهم شيئاً" فنسأل الله العافية.

والبيهقي انخدع ببعض أهل الضلال، كابن فورك وأمثاله، وكان من أعلام الحديث فوقع في الأشعرية.

قد يكون هناك جاهل يثق بنفسه، ويغتر بها، وليس عنده علم يحميه؛ فهذا أولى مئات المرات بالوقوع في البدعة من هؤلاء.

وفي هذا العصر أمثلة كثيرة ممن عرفناهم كانوا على المنهج السلفي؛ ولما اختلطوا بأهل البدع ضلوا؛ لأن أهل البدع الآن لهم أساليب، ولهم نشاطات، ولهم طرق - يمكن ما كان يعرفها الشياطين في الوقت الماضي- فعرفوا الآن هذه الأساليب وهذه الطرق وكيف يخدعون الناس، فمن أساليب أهل الأهواء المعاصرين: أنك تقرأ وتأخذ الحق وتترك الباطل، كثير من الشباب لا يعرف الحق من الباطل، ولا يميز بين الحق والباطل، فيقع في الباطل يرى أنه حق، ويرفض الحق يرى أنه باطل، وتنقلب عليه الأمور، وكما قال حذيفة رضي الله عنه: "إن الضلالة كل الضلالة أن تنكر ما كنت تعرف، وتعرف ما كنت تنكر".

فترى هذا سائراً في الميدان السلفي والمضمار السلفي ما شاء الله ما تحس إلا وقد استدار المسكين، فإذا به حرب على أهل السنة، وأصبح المنكر عنده معروفاً، والمعروف عنده منكراً، وهذه هي الضلالة كل الضلالة، فنحن نحذر الشباب السلفي من الاغترار بأهل البدع والركون إليهم.

كتبه
ربيع بن هادي المدخلي
13 صفر عام 1438

----
([1]) أخرجه الترمذي برقم (2395)، وأبو داود برقم (4832)، وابن حبان برقم (554، 560) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وانظر صحيح الجامع الصغير وزيادته للألباني برقم (7341).
([2]) يعني الرافضة.
([3]) تقدم تخريجه.
([4]) يشير إلى حديث أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مثل الجليس الصالح والجليس السوء...) الحديث.
([5]) كذا، والأَولى أن يقال: رضي الله عنه.
([6]) يريد حديث: (مثل الجليس الصالح والجليس السوء...) الحديث.
([7]) نقلت هذا النص من مقال لي سابق عنوانه: (الموقف الصحيح من أهل البدع).

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire