(( تأملات في بعض آيات الجزء السادس والعشرين))
🍃🌺 قال تعالى :
*(فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)
والعبادة مبنية على ركنين:
محبة الله، والذل له،
وهما ناشئان عن العلم بمحامد الله وجلاله وكبريائه.
- وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم وأبو داود وابن ماجه وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات
عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله وآله وسلم
( يقول الله تبارك وتعالى الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني واحدا منهما ألقيته في النار).
🍃🌺 قال تعالى :
*(إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)
أي إن الذين جمعوا بين التوحيد الذي هو خلاصة العلم,
والاستقامة في الدِّين التي هي منتهى العمل.
🍃🌺 قال تعالى :
*(وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا)
وفي هذه الآية إشارة إلى أن حق الأم آكد من حق الأب ..
لأنها حملته بمشقة ووضعته بمشقة وأرضعته
هذه المدة بتعب ونصب
ولم يشاركها الأب في شيء من ذلك .
🍃🌺 قال تعالى :
*(فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ)
والعزم المحمود في الدين :
العزم على ما فيه تزكية النفس وصلاح الأمة ،
وقوامه الصبر على المكروه وباعثه التقوى ،
وقوته شدة المراقبة ..
بأن لا يتهاون المؤمن عن محاسبته نفسه قال تعالى :
(وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور )
🍃🌺 قال تعالى :
*(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ، وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ، ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ)
وهذا وعيد للأمة ..
بأنها إن تخلت عن نصر الله والجهاد في سبيله
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ..
وَكَلَها سبحانه إلى نفسها وتخلَّى عن نصرها وسلَّطَ عليها عدوها،
ولقد وجد بعض ذلك من تسلط الفسقة لما وجد التهاون في بعض ذلك والتواكل فيه .
🍃🌺 قال تعالى :
*(مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آَسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ )
وبدئ بالماء ..
لأنه في الدنيا مما لا يستغنى عنه،
ثم باللبن ..
إذ كان يجري مجرى المطعم لكثير من العرب في كثير من أوقاتهم،
ثم بالخمر ..
لأنه إذا حصل الري والمطعوم تشوفت النفس إلى ما يلتذ به،
ثم بالعسل ..
لأن فيه الشفاء في الدنيا مما يعرض من المشروب والمطعوم فهو متأخر بالرتب.
🍃🌺 قال تعالى :
*(أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا)
والمعنى أفلا يتفهمونه ،
فيعلمون بما اشتمل عليه من المواعظ الزاجرة والحجج الظاهرة والبراهين القاطعة ،
التي تكفي من له فهم وعقل
وتزجره عن الكفر بالله والإشراك به والعمل بمعاصيه.
🍃🌺 قال تعالى
*(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ)
(وَلاَ تبطلوا أَعْمَالَكُمْ)
يحتمل أربعة معان :
أحدها: لا تبطلوا أعمالكم بالكفر بعد الإيمان،
والثاني: لا تبطلوا حسناتكم بفعل السيئات,
والثالث: لا تبطلوا أعمالكم بالرياء والعجب ،
والرابع: لا تبطلوا أعمالكم بأن تقتطعوها قبل تمامها.
🍃🌺 قال تعالى :
*(فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ)
(والله معكم)
فيه بشارة عظيمة بالنصر والظفر على الأعداء.
🍃🌺 قال تعالى :
*(إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا ، لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا)
رتب الله على هذا الفتح عدة أمور،
فقال: (ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر)،
وذلك والله أعلم بسبب ما حصل بسببه من الطاعات الكثيرة،
والدخول في الدين بكثرة،
وبما تحمل صلى الله عليه وسلم من تلك الشروط التي لا يصبر عليها إلا أولو العزم من المرسلين.
-أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن المغيرة بن شعبة قال:
كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي حتى ترم قدماه
فقيل له: أليس قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟
قال: أفلا أكون عبدا شكورا .
🍃🌺 قال تعالى :
*(وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا)
وقدمت المغفرة هنا بقوله :
( يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء )
ليتقرر معنى الإطماع في نفوسهم فيبتدروا إلى استدراك ما فاتهم .
وهذا تمهيد لوعدهم الآتي في قوله :
( قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد)
إلى قوله :
(فإن تطيعوا يؤتكم الله أجراً حسناً ).
🍃🌺 قال تعالى :
*(سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا)
ولما وصف تلك السنة ..
بأنها راسخة فيما مضى ..
أعقب ذلك بوصفها بالتحقق في المستقبل تعميماً للأزمنة بقوله :
( ولن تجد لسنة اللَّه تبديلاً )
لأن اطراد ذلك النصر في مختلف الأمم والعصور ،
وإخبارَ الله تعالى به على لسان رسله وأنبيائه ،
يدل على أن الله أراد تأييد أحزابه ..
فيعلم أنه لا يستطيع كائن أن يحول دون إرادة الله تعالى .
🍃🌺 قال تعالى :
*(وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا)
-هذا امتنان من الله تعالى على عباده المؤمنين ..
حين كف أيدي المشركين عنهم فلم يصل إليهم منهم سوء،
وكف أيدي المؤمنين عن المشركين فلم يقاتلوهم عند المسجد الحرام،
بل صان كلاً من الفريقين ،
وأوجد بينهم صلحاً فيه خيرة للمؤمنين وعافية في الدنيا والآخرة.
ولهذا أوثرت مادة الظفر في قوله :
( من بعد أن أظفركم عليهم )
دون أن يقال : من بعد أن نصركم عليهم ،
لأن الظفر هو الفوز بالمطلوب فلا يقتضي وجود قتال فالظفر أعم من النصر ،
أي من بعد أن أنالكم ما فيه نفعكم وهو هدنة الصلح ..
وأن تعودوا إلى العمرة في العام القابل.
🍃🌺قال تعالى :
*(مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ)
وفي الجمع لهم بين هاتين الخلتين المتضادتين الشدّةِ والرحمة ..
إيماء إلى أصالة آرائهم وحكمة عقولهم ،
وأنهم يتصرفون في أخلاقهم وأعمالهم تصرف الحكمة والرشد ..
فلا تغلب على نفوسهم محمدة دون أخرى ..
ولا يندفعون إلى العمل بالجبلة وعدم الرؤية .
🍃🌺 قال تعالى :
*(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ)
وظاهر هذه الآية الكريمة ..
أن الإنسان قد يحبط عمله وهو لا يشعر .
🍃🌺 فالزتعالى
*(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)
وإنما اختيرت الرحمة ..
لأن الأمر بالتقوى واقع إثر تقرير حقيقة الأخوة بين المؤمنين ..
وشأن تعامل الإخوة الرحمة ..
فيكون الجزاء عليها من جنسها .
أي في الدين والحرمة لا في النسب،
ولهذا قيل:
أخوة الدين أثبت من أخوة النسب،
فإن أخوة النسب تنقطع بمخالفة الدين،
وأخوة الدين لا تنقطع بمخالفة النسب.
🍃🌺 قال تعالى :
*(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ)
قال علماؤنا:
فالظن هنا وفي الآية هو التهمة.
ومحل التحذير والنهي إنما هو تهمة لا سبب لها يوجبها ،
كمن يتهم بالفاحشة أو بشرب الخمر مثلا ،
ولم يظهر عليه ما يقتضي ذلك ،
ودليل كون الظن هنا بمعنى التهمة قول تعالى:
" وَلا تَجَسَّسُوا"
وذلك أنه قد يقع له خاطر التهمة ابتداء ويريد أن يتجسس خبر ذلك ويبحث عنه ،
ويتبصر ويستمع لتحقق ما وقع له من تلك التهمة ،
فنهى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ذلك. وإن شئت قلت:
والذي يميز الظنون التي يجب اجتنابها عما سواها،
أن كل ما لم تعرف له أمارة صحيحة وسبب ظاهر كان حراما واجب الاجتناب.
- قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
إياكم وذكر الناس فإنه داء،
وعليكم بذكر الله فإنه شفاء.
وسمع علي بن الحسين رضي الله عنهما رجلا يغتاب آخر،
فقال: إياك والغيبة فإنها إدام كلاب الناس.
وقيل لعمرو بن عبيد: لقد وقع فيك فلان حتى رحمناك،
قال: إياه فارحموا.
وقال رجل للحسن: بلغني أنك تغتابني ..!
فقال: لم يبلغ قدرك عندي أن أحكمك في حسناتي.
🍃🌺 قال تعالى :
*(ق وَالْقُرْآَنِ الْمَجِيدِ)
المجد: سعة الأوصاف وعظمتها،
وأحق كلام يوصف بهذا هذا القرآن ...
وهذا موجب لكمال اتباعه،
وسرعة الانقياد له،
وشكر الله على المنة به.
🍃🌺 قال تعالى :
*(بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ)
مختلط،
قال سعيد بن جبير ومجاهد: ملتبس.
قال قتادة في هذه الآية:
مَنْ تَرَكَ الحقَّ مرج عليه أمره والتبسَ عليه دينُهُ.
وقال الحسن: ما ترك قوم الحق إلا مرج أمرُهُم.
🍃🌺 قال تعالى :
*(وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ)
يخبر تعالى ...
أنه أقرب إليه من حبل الوريد،
الذي هو أقرب شيء إلى الإنسان،
وهو العرق المكتنف لثغرة النحر،
وهذا مما يدعو الإنسان إلى مراقبة خالقه المطلع على ضميره وباطنه،
القريب منه في جميع أحواله،
فيستحيي منه أن يراه حيث نهاه،
أو يفقده حيث أمره.
🍃🌺 قال تعالى :
*(إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ)
من ألقى سمعه إلى آيات الله،
واستمعها استماعاً يسترشد به،
وقلبه شهيد،
أي: حاضر،
فهذا له أيضاً ذكرى وموعظة،
وشفاء وهدى،
وأما المعرض الذي لم يلق سمعه إلى الآيات،
فهذا لا تفيده شيئاً،
لأنه لا قبول عنده،
ولا تقتضي حكمة الله
هداية من هذا وصفه ونعته .
🍃🌺 قال تعالى :
*(وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا ، فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا ، فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا ، فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا)
ووجه تخصيص هذه الأمور بالإقسام بها
كونها أمورا بديعة ..
مخالفة لمقتضى العادة ..
فمن قدر عليها ..
فهو قادر على البعث الموعود به.
🍃🌺 قال تعالى :
*(كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ ، وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرون)
وخص هذا الوقت ..
لكونه يكثر فيه أن يغلب النوم على الإنسان فيه ..
فصلاتهم واستغفارهم فيه أعجب من صلاتهم في أجزاء الليل الأخرى .
وجَمْع الأسحار باعتبار تكرر قيامهم في كل سحر .
والغرض من الآية ..
أنهم يكابدون العبادة في أوقات الراحة وسكون النفس ..
ولا يستريحون من مشاق النهار إلا قليلا.
قال الحسن: كابدوا قيام الليل لا ينامون منه إلا قليلا.
وعن عبد اللّه بن رواحة: هجعوا قليلا ثم قاموا.
🍃🌺اللهم ..🌺🍃
ارزقني ووالديَّ والمسلمين الفردوس الأعلى.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire