ﺍﻟﻔﺮﻕ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻘﻀﺎﺀ ﻭﺍﻟﻘﺪﺭ
ﺍﺧﺘﻠﻔﺖ ﺃﻗﻮﺍﻝ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﺮﻕ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻘﻀﺎﺀ ﻭﺍﻟﻘﺪﺭ ﻭﻛﺜﺮﺕ ﺍﻵﺭﺍﺀ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ؛ ﻓﻘﺪ ﻗﺎﻝ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺑﺄﻧّﻪ ﻻ ﻳﻮﺟﺪ ﻓﺮﻕ ﺑﻴﻦ ﺍﻻﺛﻨﻴﻦ؛ ﺇﻧّﻤﺎ ﻫﻤﺎ ﻟﻔﻈﺘﺎﻥ ﻟﻤُﺼﻄﻠﺢٍ ﻭﺍﺣﺪ، ﻭﺃﻥّ ﻣﻌﻨﻰ ﺍﻟﻘﻀﺎﺀ ﻣﻮﺟﻮﺩٌ ﻓﻲ ﻣﻌﻨﻰ ﺍﻟﻘﺪﺭ، ﺃﻣّﺎ ﺍﻟﻔﺮﻳﻖ ﺍﻵﺧﺮ ﻓﻘﺪ ﻗﺎﻟﻮﺍ ﺑﺄﻧّﻪ ﻳﻮﺟﺪ ﺍﺧﺘﻼﻑٌ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻌﻨﻴﻦ، ﻭﻓﻴﻤﺎ ﻳﺄﺗﻲ ﺑﻴﺎﻥٌ ﻟﻸﻗﻮﺍﻝ ﻭﺍﻷﺩﻟﺔ :
ﺫﻫﺐ ﻓﺮﻳﻖٌ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ، ﻣﻨﻬﻢ ﺍﻟﺮّﺍﻏﺐ ﺍﻷﺻﻔﻬﺎﻧﻲّ، ﺇﻟﻰ ﺃﻥَّ ﺍﻟﻘﻀﺎﺀ ﺃﺧﺺُّ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺪﺭ؛ ﻷﻥّ ﺍﻟﻘﻀﺎﺀ ﻫﻮ ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺘّﻘﺪﻳﺮ، ﻓﺎﻟﻘﺪﺭ ﻫﻮ ﺍﻟﺘّﻘﺪﻳﺮ، ﻭﺍﻟﻘﻀﺎﺀ ﻫﻮ ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺑﺄﻣﺮٍ ﻣُﻌﻴّﻦ ﺛﻢ ﺍﻟﻘﻄﻊ ﻓﻴﻪ، ﻭﻗﺪ ﺫﻛﺮ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ ﺃﻥّ ﺍﻟﻘﺪﺭ ﺑﻤﻨﺰﻟﺔ ﺍﻟﺸّﻲﺀ ﺍﻟﻤُﻌَﺪِّ ﻟﻠﻮﺯﻥ، ﺃﻣّﺎ ﺍﻟﻘﻀﺎﺀ ﻓﻬﻮ ﺑﻤﻨﺰﻟﺔ ﺍﻟﻮﺯﻥ ﻧﻔﺴﻪ، ﻭﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﻣﺎ ﻗﺎﻟﻪ
ﺃﺑﻮ ﻋﺒﻴﺪﺓ ﻋﺎﻣﺮ ﺑﻦ ﺍﻟﺠﺮﺍﺡ ﻟﻌﻤﺮ ﺑﻦ ﺍﻟﺨﻄﺎﺏ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﻤﺎ - ﻟﻤّﺎ ﺃﺭﺍﺩ ﻋﻤﺮ ﺍﻟﻔﺮﺍﺭ ﻣﻦ ﺍﻟﻄّﺎﻋﻮﻥ ﺑﺎﻟﺸّﺎﻡ : ( ﺃﺗﻔﺮُّ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻀﺎﺀ؟ ﻗﺎﻝ : ﺃﻓﺮّ ﻣﻦ ﻗﻀﺎﺀ ﺍﻟﻠﻪ ﺇﻟﻰ ﻗﺪﺭ ﺍﻟﻠﻪ ) ؛ ﻭﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺇﺷﺎﺭﺓٌ ﻭﺗﻨﺒﻴﻪٌ ﺇﻟﻰ ﺃﻥّ ﺍﻟﻘﺪﺭ ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻗﻀﺎﺀً ﻓﻤﻦ ﺍﻟﻤﺮﺟﻮّ ﺃﻥ ﻳﺪﻓﻌﻪ ﺍﻟﻠﻪ، ﺃﻣّﺎ ﺇﺫﺍ ﻗﻀﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻓﻼ ﺩﺍﻓﻊ ﻟﻘﻀﺎﺋﻪ، ﻭﺩﻟﻴﻞ ﺫﻟﻚ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ : ( ﻭَﻛَﺎﻥَ ﺃَﻣْﺮًﺍ ﻣَﻘْﻀِﻴًّﺎ ) .
ﺫﻫﺐ ﺍﻟﻔﺮﻳﻖ ﺍﻟﺜّﺎﻧﻲ ﺇﻟﻰ ﺃﻥّ ﺍﻟﻘﻀﺎﺀ ﻭﺍﻟﻘﺪﺭ ﺑﻤﻨﺰﻟﺔٍ ﻭﺍﺣﺪﺓ، ﻭﻳﻘﻮﻝ ﺍﻟﺨﻄﺎﺑﻲّ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﺮﻕ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ : ( ﺟﻤﺎﻉ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﻓﻲ ﺑﺎﺏ ﺍﻟﻘﻀﺎﺀ ﻭﺍﻟﻘﺪﺭ ﺃﻧّﻬﻤﺎ ﻣُﺘﻼﺻﻘﺎﻥ ﻻ ﺍﻧﻔﻜﺎﻙ ﻷﺣﺪﻫﻤﺎ ﻋﻦ ﺍﻵﺧﺮ؛ ﻷﻥ ﻛﻞ ﻭﺍﺣﺪٍ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﺑﻤﻨﺰﻟﺔ ﺍﻷﺳﺎﺱ ﻭﺃﺣﺪﻫﻤﺎ ﺑﻤﻨﺰﻟﺔ ﺍﻟﺒﻨﺎﺀ، ﻓﻤﻦ ﺃﺭﺍﺩ ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﻓﻘﺪ ﺳﻌﻰ ﺇﻟﻰ ﻫﺪﻡ ﺍﻟﺒﻨﺎﺀ ﻭﻧﻘﻀﻪ ) ، ﻭﻳﺮﻯ ﺍﻟﺠﺮﺟﺎﻧﻲّ ﺃﻥّ ﺍﻟﻘﺪﺭ ﻋﺒﺎﺭﺓٌ ﻋﻦ ﺧﺮﻭﺝ ﺍﻟﻤُﻤﻜﻨﺎﺕ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺪﻡ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻭﺍﺣﺪﺍً ﺑﻌﺪ ﻭﺍﺣﺪ ﻣُﻄﺎﺑﻘﺎً ﻟﻠﻘﻀﺎﺀ، ﻭﺃﻥّ ﺍﻟﻘﻀﺎﺀ ﻳﻜﻮﻥ ﻓﻲ ﺍﻷﺯﻝ، ﻭﺍﻟﻘﺪﺭ ﻳﻜﻮﻥ ﻓﻴﻤﺎ ﻻ ﻳﺰﺍﻝ، ﻭﺍﻟﻔﺮﻕ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻘﺪﺭ ﻭﺍﻟﻘﻀﺎﺀ ﻫﻮ ﺃﻥّ ﺍﻟﻘﻀﺎﺀ ﻭﺟﻮﺩ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻷﺷﻴﺎﺀ ﻭﺍﻷﻋﻤﺎﻝ ﻭﺍﻷﻗﻮﺍﻝ ﻓﻲ ﺍﻟﻠّﻮﺡ ﺍﻟﻤﺤﻔﻮﻅ ﻣُﺠﺘﻤﻌﺔً، ﺃﻣّﺎ ﺍﻟﻘﺪﺭ ﻓﻬﻮ ﻭﺟﻮﺩﻫﺎ ﻣُﺘﻔﺮّﻗﺔً ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺎﺋﻊ ﻭﺍﻟﺤﻮﺍﺩﺙ ﺑﻌﺪ ﺣﺼﻮﻝ ﻣُﺴﺒّﺒﺎﺗﻬﺎ .
ﺫﻛﺮ ﻓﺮﻳﻖٌ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ، ﻛﻤﺎ ﻳﻨﻘﻞ ﺍﺑﻦ ﺣﺠﺮ ﺍﻟﻌﺴﻘﻼﻧﻲّ، ﺃﻥّ ﺍﻟﻘﻀﺎﺀ ﻫﻮ ﺍﻟﺤﻜﻢ ﺍﻟﻜُﻠﻲّ ﺍﻹﺟﻤﺎﻟﻲّ ﻓﻲ ﺍﻷﺯﻝ، ﻭﺃﻥّ ﺍﻟﻘﺪﺭ ﻫﻮ ﺟُﺰﺋﻴﺎﺕ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺤﻜﻢ ﻭﺗﻔﺎﺻﻴﻠﻪ .
ﻳﺮﻯ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ ﺃﻥّ ﺍﻟﻘﺪﺭ ﻫﻮ ﺗﻘﺪﻳﺮ ﺍﻟﺸّﻲﺀ ﻗﺒﻞ ﻗﻀﺎﺋﻪ، ﻭﺃﻥّ ﺍﻟﻘﻀﺎﺀ ﻫﻮ ﺍﻟﻔﺮﺍﻍ ﻣﻦ ﺍﻟﺸّﻲﺀ ﻭﺇﺗﻤﺎﻣﻪ ﻭﻓﻖ ﻣﺎ ﻗُﺪِّﺭ ﻟﻪ ﻭﺑﻪ . ﻭﻗﺪ ﺍﺳﺘﺸﻬﺪ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺮّﺃﻱ ﻟﻠﺘّﻔﺮﻳﻖ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻘﻀﺎﺀ ﻭﺍﻟﻘﺪﺭ ﺑﺄﻥّ ﺷﺒّﻬﻮﺍ ﺍﻟﻘﺪﺭ ﺑﺎﻟﺜّﻮﺏ؛ ﻓﺎﻟﻘﺪﺭ ﻳﻜﻮﻥ ﺑﻤﻨﺰﻟﺔ ﺗﻘﺪﻳﺮ ﺍﻟﺨﻴّﺎﻁ ﻟﻠﺜّﻮﺏ، ﻓﻬﻮ ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﻳﻨﺴﺠﻪ ﻭﻳُﻔﺼّﻠﻪ ﻋﻠﻰ ﻣﻘﺎﺱ ﺻﺎﺣﺒﻪ ﻓﺈﻧّﻪ ﻳُﻘﺪّﺭﻩ، ﻓﺈﻣّﺎ ﺃﻥ ﻳﺰﻳﺪ ﺃﻭ ﺃﻥ ﻳﻨﻘﺺ، ﻓﺈﺫﺍ ﻓﺼّﻠﻪ ﻓﻘﺪ ﻗﻀﺎﻩ ﻭﻓﺮﻍ ﻣﻦ ﺗﻘﺪﻳﺮﻩ ﻭﻓﺎﺗﻪ ﻭﻗﺖ ﺍﻟﺘّﻘﺪﻳﺮ، ﻭﺑﺬﻟﻚ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻘﺪﺭ ﺃﺳﺒﻖ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻀﺎﺀ .
ﻭﺧﻼﺻﺔ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﺃﻥّ ﺍﻷﻗﻮﺍﻝ ﺍﻟﻮﺍﺭﺩﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﺮﻕ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻘﻀﺎﺀ ﻭﺍﻟﻘﺪﺭ ﻛﻤﺴﺄﻟﺘﻴﻦ ﻣُﺘﺮﺍﺑﻄﺘﻴﻦ ﻛﺜﻴﺮﺓ، ﻭﻟﻴﺲ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺃﻭ ﺍﻟﺴُﻨّﺔ ﺍﻟﻨﺒﻮﻳّﺔ ﺩﻟﻴﻞٌ ﻭﺍﺿﺢ ﻳُﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻔﺮﻕ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ، ﺇﻧّﻤﺎ ﻫﻲ ﺍﺟﺘﻬﺎﺩﺍﺕٌ ﺗﻘﻮﻯ ﻭﺗﻀﻌﻒ ﺑﺎﻟﻨّﺺ، ﻭﻟﻜﻞ ﻓﺮﻳﻖٍ ﺭﺃﻳﻪ ﻭﺩﻟﻴﻠﻪ، ﻭﻟﻴﺲ ﺫﻟﻚ ﻣﻮﺿﻊ ﺗﺄﺛﻴﺮ ﻓﻲ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﺍﻟﻘﻀﺎﺀ ﻭﺍﻟﻘﺪﺭ ﻭﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﺑﻬﺎ
Nombre total de pages vues
mercredi 29 mars 2017
الفرق بين القضاء و القدر
Inscription à :
Publier les commentaires (Atom)
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire