بالأغلبية
وتبعا لهذه الحقائق المذكورة فإن بيعة أبي بكر الصديق كانت بإجماع الخاصة ثم عامة المسلمين، لم يعلم أحد تخلف عن بيعته، او انتخب غيره، وخرق به الإجماع، يضاف إلى ذلك بعض النصوص الشرعية التي تشير إلى اختيار النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر للخلافة – هذا وإن اختلف الفقهاء في صراحة دلالة هذه النصوص وخفائها [11]-. وقد تهيأ لأبي بكر إجماع الخاصة في بني سقيفة بالأغلبية يوم وفاة رسول الله، ثم بيعة سائر الناس من عامة المسلمين في المسجد النبوي من اليوم الثاني[12]، وهذا النوع من البيعة وقع للصديق رضي الله عنه على وجه الخصوص للظروف الجديدة التي طرأت على الناس، وكان لا يجمع شتات أمر الناس إلا بتعيين خليفة للرسول صلى الله عليه وسلم.
رغبة سعد بن عبادة في الإمارة
نازع الخلافة سعد بن عبادة والحباب بن المنذر وطائفة قليلة، ثم رجع هؤلاء وبايعوا الصديق، ما عدا سعدا، فإنه لم يبايع ولم يتأبط شرا، بل استسلم لحجة أبي بكر الصديق البينة، حين ذكره بقوله: ولقد علمت يا سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال، وأنت قاعد: ” قريش ولاة هذا الأمر، فبر الناس تبع لبرهم، وفاجرهم تبع لفاجرهم “. قال: فقال له سعد: صدقت، نحن الوزراء، وأنتم الأمراء. (مسند الإمام أحمد). وتظهر لنا من هذه الرواية فائدة، أن سعدا بن عبادة تنازل عن موقفه الأول من طلب الإمارة لنفسه، وأذعن لأبي بكر[13].
وأما ما يثار ويعتقده بعض الرافضة من أن عليا رضي الله عنه لم يبايع أبا بكر الصديق فإنه مردود، لا يقبله الدليل، فقد كان علي رضي الله عنه ممن عينهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالذكر أثناء بيعة العامة في اليوم الثاني من وفاة رسول الله، حين سأل عن علي والزبير، فأمرهما أن يبايعا خليفة رسول الله، ففعلا ذلك علنا. قال ابن كثير بعد ذكره للرواية السابقة: فيها فائدة جليلة وهي مبايعة علي بن أبي طالب إما في أول يوم، أو في اليوم الثاني من الوفاة. وهذا حق فإن علي بن أبي طالب لم يفارق الصديق في وقت من الأوقات، ولم ينقطع في صلاة من الصلوات خلفه[14].
[1] طبعا ما عدا ابن حزم الظاهري الذي يرى أن خلافة أبي بكر صحت بالعهد النبوي إليه . وانظر: الفصل (4/131).
[2] وكذا الخطيب البغدادي يقول: وأجمع المهاجرون والأنصار على خلافة أبي بكر قالوا له: يا خليفة رسول الله، ولم يسم أحد بعده خليفة، وقيل إنه قبض النبي صلى الله عليه وسلم عن ثلاثين ألف مسلم كل قال لأبي بكر يا خليفة رسول الله، ورضوا به من بعده، رضي الله عنهم وإلى حيث انتهينا، قيل لهم أمير المؤمنين. تاريخ بغداد: (10/129).
[3] الإبانة عن أصول الديانة (252)
[4] غياث الأمم في التياث الظلم (55)
[5] منهاج السنة النبوية (6/325)
[6] لاتساع رقعة المسلمين وانتشار المجتهدين فلا سبيل إلى القطع بالإجماع والتثبت منه. انظر: الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم (4/147).
[7] إعلام الموقعين لابن القيم (2/54)، والإمام أحمد لا يطلق الإجماع على ما لم يرد فيه خلاف بين الصحابة – أو ما لا يعلم له رأي يدافعه- من باب التورع، وفي ذات الأمر فإن الإمام أحمد يجعل هذا النوع من الاتفاق الذي لا يعلم له خلاف بين الصحابة أصله الثاني في الحكم بعد الوحيين. انظر: المدخل المفصل، بكر أبو زيد (1/154).
[8] صحيح البخاري ، كتاب تفسير القرآن (4642)
[9] فصل الخطاب في سيرة ابن الخطاب، الصلابي (364)
[10] اختلف الأصوليون في العدد الذي يحصل به الإجماع، فذهب البعض إلى بلوغ عدد التواتر، ورأى البعض جواز أن ينحط عددهم عن مبلغ التواتر ، وجوز البعض انعقاد الإجماع بقول مفت واحد إذا خلا الدهر من المفتين. واختار الجويني انحطاط عددهم عن التواتر بل بالغ فقال: بل يجوز شغور الزمان عن العلماء وتعطيل الشريعة وانتهاء الأمر إلى الفترة. البرهان في أصول الفقه (1/267).
[11] جاء في المعتمد في أصول الدين لأبي يعلى (وطريق ثبوت الخلافة الاختيار من أهل الحل والعقد وليس طريق ثبوتها النص، وبهذا قال جماعة من أصحاب الحديث والمعتزلة والأشعرية، وروى عن أحمد – رحمه الله – كلاما يدل على أن خلافة أبي بكر ثبتت بالنص الخفي والإشارة، وبهذا قال الحسن البصري وجماعة من أهل الحديث) (410)
[12] البداية والنهاية (8/ 245) – دار الفكر.
[13] منهاج السنة (1/536).
[14] البداية والنهاية (6/249)
الوسوم: أبو بكر الصديق • الإجماع • بنو سقيفة •بيعة • خلافة
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire