إنه ومما لا شك فيه أن الغيبة من آفات اللسان الكبرى، وأنها من الكبائر التي نصّ عليها مولانا جل جلاله في القرآن الكريم، وبيَّنها نبينا صلى الله عليه وسلم في السنة، وأنها من عظائم الذنوب حقيقة التي تؤدي إلى قسوة القلب، وإلى غير ذلك من الأشياء التي تجعل الحياة كدرًا ونكدًا وتعبًا، وتجعل صاحبها يوم العرض على الله تعالى فقيرًا مفلسًا، ولكنها ولله الحمد والمنة شأنها شأن غيرها من المعاصي التي إن عقد الإنسان العزم عليها وأخذ بأسباب التخلص منها استطاع أن يتخلص منها بإذن الله تعالى؛ لأن الله تبارك وتعالى أخبرنا بقوله: {لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها} وما دامت هذه محرمة والله عز وجل أمرنا بتركها فقطعًا نستطيع أن نتركها، بل إن هناك ذنوبًا أعظم من ذلك عندما صدق أهلها في التوبة إلى الله تعالى وأخذوا بأسباب التخلص منها أعانهم الله على ذلك،، إن هناك عدة عسى الله تبارك وتعالى أن ينفعك بها:
أما الوسيلة الأولى: تذكر غضب الله تبارك وتعالى وعقابه الذي توعد به من يغتاب أخاه المسلم، كما ورد في القرآن الكريم وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك قوله تبارك وتعالى: {ولا يغتب بعضكم بعضًا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتًا فكرهتموه واتقوا الله} فالله تبارك وتعالى ينفّرنا من الغيبة ويشبه الذي يغتاب أخاه بالذي يأكل لحم أخيه ميتًا – أي جيفة والعياذ بالله تعالى – والنبي صلى الله عليه وسلم بيَّن أن الغيبة ذكرك أخاك بما يكره، وأن الغيبة من عظائم الذنوب، ولذلك عندما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: الغيبة ذكرك أخاك بما يكره) فبيَّن النبي عليه الصلاة والسلام أن الغيبة في الأصل هي كلام حقيقي في شخص ولكنه من وراء ظهره، أي ليس في حضرته، والنبي عليه الصلاة والسلام ورد عنه أنه قال: (لا يدخل الجنة مغتاب) إلى غير ذلك من الأحاديث التي وردت في السنة التي تبيّن خطورة هذه الغيبة.
فإذن نتذكر ذلك الوعيد الذي ورد في القرآن والسنة، وذلك بقراءتنا لكلام الله تعالى وكلام النبي عليه الصلاة والسلام المتعلق بهذه الغيبة، وعلينا بكتاب الكبائر للإمام الذهبي، وأن نركز على هذه الكبيرة – كبيرة الغيبة – وأن نقرا ما ورد فيها من وعيد وتهديد على لسان النبي الكريم صلى الله عليه وسلم؛ لأن معرفة الإنسان بالعقوبة قد تردعه عن الاستمرار في المعصية، فنقرا عقوبة هذه الكبيرة في كتاب الكبائر للإمام الذهبي رحمه الله تعالى.
ثانيًا: علينا أن ننظر إلى عيوب أنفسنا؛ لأنناقطعًا غير سالمين من العيوب، وأن نضع أنفسنا مكان هذا الشخص الذي نغتابه، فهل بالله علينالو علمنا أن أحدًا يغتابنا وتكلم فينا بسوء هل سنكون مرتاحين؟ قطعًا لا، إذن لنضع أنفسنامكان هذا الشخص الذي تكلمنا في عرضه وهو غائب عنا، وبذلك سوف نتوقف- إن شاء الله تعالى - عندما نضع أنفسنا موضع إخواننا المسلمين الذين نقع في أعراضهم، ننظر إلى عيوب انفسنا لأننا لسنا خالين من العيوب والمآخذ، ولنقل (إن الله تعالى قد ستر عليّينا فلماذا نفضح غيرنا وقد ستر الله عليناذنوبًا أعظم من الذنوب التي يقع فيها غيرنا).
ثالثًا: من الأمور التي تعيننا على التخلص من الغيبة: مجالسة الصالحين، لأن الصالحين كما لا يخفى لا يتحدثون في عرض أحد، ولا ينتقصون أحدًا، ولا يتكلمون في أحد أبدًا إلا بكل خير، فعلينا بأن نتخير الصحبة الصالحة التي تعيننا على طاعة الله تعالى، والتي تجعل الكلام الذي نسمعه كلامًا شرعيًا، وان نجتنب الصحبة المفرطة الجاهلة أو الغافلة التي لا تُقيم لأعراض الناس وزنًا.
أيضًا من الوسائل التي تعيننا -: معاقبة انفسنا على كل غيبة نقع فيها، وهذا أمرٌ مجرب ورائع، بمعنى أننا كلما اغتبنا إنساناً نعاهد الله تعالى على أن نتصدق مثلاً بمبلغ من المال، كلما اغتبنا إنسانًا فإننا نعاهد الله تعالى على أن نتصدق مثلاً بمائة دينار أو مثلاً إذا لم نتوقفنزيد المبلغ، أو أن نصوم لله تبارك وتعالى يومًا، أو أن نقوم لله تبارك وتعالى ليلة، لنشترط هذا الشرط، ولنقل يا نفسي: (إذا لم ترتدعي فإني سوف أعاقبك بالصيام أو بالقيام أو بالمال) لأن هذا الأمر حدث لكثير من السلف، ولذلك فيما رواه حرملة، قال: (سمعتُ رسول ابن واهب – هؤلاء من السلف – يقول: إني نذرتُ أني كلما اغتبت إنسانًا أن أصوم يومًا، فأجهدني، ولكني كنت أغتاب وأصوم – أي أُجهدتُ من الصيام ولكنه لم يتوقف – قال: فنويت أني كلما اغتبت إنسانًا أن أتصدق بدرهم، فمن حب الدراهم تركتُ الغيبة) لأنه وجد أنه يتصدق بأموال كثيرة، فهذا المبلغ الذي كان يدفعه شعر بأنه عزيز عليه فترك الغيبة من أجله.
أيضًا عليناأيضًا أن نتذكر بأن الغيبة تذهب حسناتنا وتمحوها وتحبطها، كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثًا، أو كماء أنزل من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيمًا تذروه الرياح، أو كما قال الله تعالى: {وقِدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثورًا}.
أسأل الله تعالى أن يُذهب عنا تلك الآفة وتلك المعصية، وأن يبدلها لنا حسنات إن تبت منها توبة نصوحًا، وأن يقدر لنا الخير حيث كان، وأن يجعل لسانك طربًا بذكره.
والله الموفق.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire