سورة الأنبياء يقول عنها ابن تيمية رحمه الله :
"سورة الأنبياء" سورة الذكر وسورة الأنبياء الذين عليهم نزل الذكر. انتهى.
وقد تتبعت لفظة الذكر في هذه السورة فوجدتها تكررت عشر مرات،
ولاحظتُ تكرار ذكر الإعراض عن هذا الذكر في عدة مواضع.
{اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ} [الأنبياء: 1]
هل استشعرت أن هذه الآية نزلت قبل 1420سنة ؟
ألسنا نحن أقرب؟
أليس واقع غالب الناس في غفلة؟
فأين أثر القران فينا ؟
قاعدة قرآنية: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [الأنبياء:
لا عزّ للأمة بدون هذا القرآن: {لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ} [الأنبياء: 10].
{بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ } [الأنبياء: 18]
في هذه الآية إبطالٌ لدعوى المشركين من خمسة أوجه،
جلها بلاغي، فحاول أن تستخرجها
حجة عقلية: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا } [الأنبياء: 22].
كما يكون الابتلاء بالشر، فإنه يكون بالخير أيضاً، وهو الابتلاء الأشد،
وهو الذي جعل بعض السلف يقول:
ابتلينا بالضراء فصبرنا، وابتلينا بالسراء فلم نصبر!
لأنها فتنة خفية.
قاعدة قرآنية، وسنة إلهية: {خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ} [الأنبياء: 37].
سنةٌ ماضية في طريق الدعاة – وعلى رأسهم الرسل-:
{وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } [الأنبياء: 41].
{قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ} [الأنبياء: 42]
لا أحد والله يا رب غيرك!
كم من حادث صرفتنا عنه؟
وكم من بلاء دفعته عنا؟
وكم من فتنة عصمتنا منها؟
وكم من أذى وقيتنا شرّه؟
هذا هو الأصل في النذارة:
{قُلْ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ } [الأنبياء: 45]
فكل نذارة تخرج عن منهج الوحي – قرآناً وسنة – فلا مرحباً بها.
{وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ } [الأنبياء: 46]
هذا أَلَمُ النفحة، فما حال من غُمِسَ في النار غمساً؟
بعض أهل الباطل يعرف أنه ليس في مقابل الحق إلا اللعب:
{ قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ } [الأنبياء: 55].
هل قول الخليل عليه السلام: { أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ } [الأنبياء: 67]
مخالف لما يقتضيه مقام البر؟
الجواب: ليس كذلك؛ لأن هذا الخطاب إنما وجهه إبراهيم لعموم القوم، ولم يواجه به أباه، والله أعلم.
لا تستغرب من استماتة أهل الباطل في الدفاع عن باطلهم ولو كان ذلك بتحريق الإنسان!
{قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ } [الأنبياء: 68].
الكون كلّه خاضع لله، والمُلْكُ مُلكُه سبحانه، فالذي جعل من خاصية النار الإحراق، هو الذي ينزع عنها ذلك إن شاء: {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ } [الأنبياء: 69]،
فيا أيها الداعية اثبت على الحق، وأبشر بالتأييد الإلهي:
{وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ } [الأنبياء: 70].
الأنبياء وورثتهم من العلماء ليسوا على درجة واحدة في الفهم:
{فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} [الأنبياء: 79]
وفي هذه الآية منهج في مقام التفضيل الذي ينبغي أن تراعى فيه العبارات التي لا تدل على النقص في الطرف الثاني: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} ثم قال: {وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا}.
أعلى مقامات البث والشكوى البث والشكوى لمن يغيث اللهفات، ويفرّج الكربات:
{وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ } [الأنبياء: 83]،
فجمع أيوب عليه السلام بين الدعاء بالحال،
والتضرع بأسماء الله وصفاته،
وفيه: مراعاة اختيار الاسم الأنسب للحال التي عليها الإنسان.
وصف الله الأنبياء الكرام بعدة صفات، فقال: {وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ } [الأنبياء: 73]،
{ إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ} [الأنبياء: 75]،
{كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ} [الأنبياء: 85]،
{إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ} [الأنبياء: 86]،
{ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ } [الأنبياء: 87] ،
{إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء: 90]
والسؤال: ما نصيبنا من التحلي بهذه الصفات التي مدح بها خاصة أوليائه؟
دعوة ذي النوي عليه السلام، ليست خاصة به، كما دلّ على ذلك صريح القرآن والسنة:
{فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} [الأنبياء: 88]
فأين المكروبون عن هذه الدعوة العظيمة، التي جمعت ثناء على الله، وتضرعاً، واعترافاً بالذنب والتقصير؟
{فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ } [الأنبياء: 90]
قال الأئمة: ينبغي للإنسان أن يجتهد في الدعاء بأن يصلح الله له زوجه، فإن ذلك من أعظم أسباب الإعانة على الخير.
{إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ } [الأنبياء: 90]
لم يكن الأنبياء يفعلون الخير فحسب، بل كانوا يسارعون في ذلك،
وهكذا هم العظماء أهل مبادرة إلى كل خير.
من كمال العبودية أن ترى الإنسان ملازماً للدعاء في جميع أحواله: {وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا } [الأنبياء: 90].
من سنن الله القدرية: { وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ} [الأنبياء: 95]
أي: يمتنع قَدَرَاً إذا أهلكت قرية من القرى أن تعود مرةً أخرى.
لو كنتَ تسكن في أرقى الفنادق العالمية،
ولكن ثمة صوت ينغّص عليك جمال مسكنك،
فإنك بلا ريب لن تتهنأ بذلك المنزل،
ولهذا كانت المنة من الله على أهل الجنة أنهم لا يتأذون بأي صوت من أًصوات أهل النار:
{لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ } [الأنبياء: 102].
هذا وعدٌ إلهي لا يتخلف:
{وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ } [الأنبياء: 105]
المهم ألا تتخلف عن أنت عن ركب الصالحين.
قارن هذا القيد: {إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ } [الأنبياء: 106]
مع ما تقدم في وصف بعض رسله: { وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ} [الأنبياء: 73].
{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107]
فهو رحمة ليس للإنس فقط، ولا للجن فقط، بل حتى للحيوانات، بل والجمادات،
فصلوات الله وسلامه عليه.
ليس من منهجي في هذه الوقفات أن أنقل أي نص، لأني أكتب مباشرةً،
إلا في هذا الموضع فإنني محتاج إلى نقل نص نفيس يذكره ابن تيمية في بيان موضوع سورة الحج،
قال عنها ابن تيمية ـ رحمه الله ـ كلاماً عجيباً، وهذا نصّه:
"سورة الحج فيها مكي ومدني، وليلي ونهاري، وسفري وحضري، وشتائي وصيفي؛
وتضمنت منازل المسير إلى الله،
بحيث لا يكون منزلة ولا قاطع يقطع عنها.
ويوجد فيها ذكر القلوب الأربعة: الأعمى والمريض والقاسي والمخبت الحي المطمئن إلى الله.
وفيها من التوحيد والحكم والمواعظ على اختصارها ما هو بين لمن تدبره
وفيها ذكر الواجبات والمستحبات كلها توحيدا وصلاة وزكاة وحجا وصياما
قد تضمن ذلك كله قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون}.
افتتاح سورة الحج بهذا المطلع: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ } [الحج: 1]
يشير – والله أعلم – إلى أن ثمة تشابهاً بين أحوال الناس في الحج مع مواقفهم يوم القيامة – مع البون الشاسع –
وأن المنجي من أهوال ذلك اليوم هو التقوى التي أمر الله بها،
وهي التي أمر الله بالتزود بها في قوله: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} [البقرة: 197].
أقوى علاقة عاطفية في الدنيا هي علاقة الأم بولدها،
فكيف بها في حال الإرضاع؟
ومع هذا فقد بلغ من هول ذلك اليوم أن تذهل عن الرضيع الذي بين يديها:
{يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ } [الحج: 2].
المعروف في لغة العرب أن الوصف المختص بالأنثى لا تلحقه تاء التأنيث، كالحامل والمرضع ونحوهما،
فما بالها لحقت (المرضع) هنا؟
قال بعض أهل العلم: إنها إذا لحقت التاء فهو يعني أنها مشتغلة بالإرضاع.
المجادلة بغير علمٍ، ولا هدى، هي طريق مشرعة لاتباع الشياطين:
{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ} [الحج: 3].
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ } [الحج: 18]
تكررت (كثير) فهل هذا تناقض؟
معاذ الله! فإن (كثير)
لا تفيد الأكثر، بل تفيد أن العدد كثير ،
كما قلتُ : سكان دولة كذا 10.000.000 عشرة ملايين،
وسكان دولة كذا 50.000.000 مليون،
فالأولى كثيرة،
ولكنها ليست أكثر بالنسبة للدولة الثانية.
{قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ} [الحج: 19]
يا الله!
ثياب من نار مفصّلةٌ عليهم ليستوعبه العذاب،
وليس هذا فحسب، بل: {يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19) يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ }
فهذا العذاب الذي يصب من فوق رؤسهم، فيتسرب أثره إلى الداخل؛ لينصهر ما في بطنه وجلده!!
رحماك ربنا،
وهذا غير ما جاء في آية سورة محمد: {وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ} [محمد: 15]،
فهذا سقيٌ آخر،
وليس هذا فحسب،
بل: {وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21) كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ }
[الحج: 19 - 22]
قال الفضيل ـ رحمه الله ـ: إذا رفع لهب النار إلى أعلى النار، وطمعوا في الخروج ضربوا بمقامع من حديد، فيعودون إلى أسفل سافلين!
{وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ} [الحج: 24]
هذه من صفات أهل الجنة،
فاللهم اجعلنا ممن هدوا إلى طيب القول في الدنيا،
فسمِعَ طيب القول عند الموت والآخرة.
لعظمة الحرم عند الله، فإن مجرد الهم بالإلحاد فيه موجب لعقوبة الله العظيمة:
{وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ } [الحج: 25].
{لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ} [الحج: 28]
لم يحددها الله تعالى؛ لكثرتها وتنوعها ديناً ودنيا.
تربية القرآن للحُجّاج على حسن العلاقات الاجتماعية: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ } [الحج: 28].
{ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ } [الحج: 29] فيها إشارة إلى أن التنعم الزائد والترف الظاهر ليس من شأن الحاج.
من أعظم علامات أهل الإيمان: {وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ} [الحج: 30]،
{وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32]
وتعظيم الحرمات والشعائر ليس خاصاً بالحج فقط، بل هو عام لكل أوامر الله وحرماته.
لكل أمة مناسك خاصة في الحج، وقد تشترك في بعض الأصول:
{وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا} [الحج: 34]،
وقال في الآية التي في آخر السورة: {لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ} [الحج: 67].
إذا سألك أحدٌ عن حقيقة الإخبات،
فلا تكلف نفسك تعريفاً علمياً،
بل اقرا هذه الآية: {وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34) الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [الحج: 34، 35]،
وسيأتي ذكر للإخبات بعد قليل، والإخبات حاضر في هذه السورة،
والظاهر – والله أعلم – لما للعبادة الصحيحة من أثر في كسر القلب، وتعليقه بالله.
هذه هي الغاية من المناسك – ومنها الأضاحي -:
{لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ } [الحج: 37].
شروط النصر على الأعداء ، والتمكين في الأرض أربعة، جمعها الله في هذه الآية:
{وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ} [الحج: 40، 41]
فدقق في واقع المسلمين تجد جواباً شافياً عن سبب تخلف المسلمين، وتسلط الأعداء عليهم.
من أمثال القرآن: {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج: 46].
كيف ييأيس مؤمن فضلاً عن خاصة المؤمنين من الدعاة،
وهم يقرأون قوله تعالى: { وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ} [الحج: 47].
هذه أربع ثمرات من ثمار تدبر القرآن، والعيش معه:
{وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } [الحج: 54].
سنة من سنن الله الكونية: {وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ} [الحج: 60]
، وقد استخدمها ابن تيمية في أيام قتال التتار،
وكان يقسم بالله بأن الله ناصر أهل الإسلام ويردد هذه الآية ..
رحم الله ابن تيمية،
فلقد كان القرآن حاضراً معه في الرخاء، وأنّى له أن يحضر معه لولا أنه عاش معه في الرخاء.
هذا الموضع الوحيد في القرآن الذي تتابعت فيه سبع آيات كلها تختم باسمين من أسماء الله الحسنى:
{لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ (59) ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (60) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ في الليل وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (61) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (62) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَ تُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (63) لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (64) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ }[الحج: 59 - 65].
ما أعظم الفرق بين الفريقين:
{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ} [الحج: 72]
وأما أهل الله فقد قال فيهم: {تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ} [المطففين: 24].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ} [الحج: 73]
هل أنت إذا قرأت هذا المثل تمتثل أمر الله في الاستماع الذي تفهم معه هذا المثل؟
فإن ربك يقول: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت: 43]
، ويقول: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } [الحشر: 21].
النبوة محض اصطفاء، ولا ينفع معها جد ولا اجتهاد: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ } [الحج: 75] ولا أنسى ههنا كلمةً لابن الجوزي ـ رحمه الله ـ حين قال معبراً عن علوّ همته:
والله لو أن النبوة تدرك بالجد والاجتهاد، لاجتهدتُ لنيلها!
وأقول: لنجتهد في السير والتاسي بالطريقة النبوية.
هذا هو أشرف اسم لنا: { هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ} [الحج: 78]
فلماذا يصر البعض على الانتساب للجماعة الفلانية؟ والحزب الفلاني؟
ألا يكفي أن نكون مسلمين وكفى؟
والله أعلم وأحكم
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire